شكرًا جزيلًا على طرح هذه المسألة. منذ فترة وأنا أرغب في الكتابة عنها لكني كنت أتجنب فعل ذلك تجنبًا للدخول في جدال مع أبناء كيميت، لأني رأيت كيف تنحدر المناقشات معهم إلى مستوى غير أخلاقي للغاية. منذ صغري كنت أعشق التاريخ المصري القديم... التاريخ عامة كان من موادي المفضلة وما زال كذلك. كنت أحب الحضارة المصرية بكل عصورها كجزء من انتمائي وحبي لمصر، لكن ليس لدرجة الانتماء الأعمى والتعالي على باقي الشعوب فكل شعب له تاريخه ومساهماته في تاريخ الأرض. مؤخرًا، بعد اشتداد تيار القومية والوطنية وخاصة في العشر سنوات الأخيرة بالإضافة إلى الانتشار الواسع لاستخدام منصات التواصل حيث صار كل من هب ودب ينشر أفكاره ويضع مقصلة على كل من يخالفها. تغير تعريف الوطنية والانتماء واشتد تطرفًا واقتصارًا على الحدود الضيقة التي رسمها المستعمر ووضعها بيننا فصارت هي من تحدد الانتماء وتنبني عليها عقيدة الولاء والبراء. علت نبرة العداء تجاه الإسلام والعروبة والانتقاص التام من اللغة العربية إلى حد الاحتقار ثم التبرؤ منها ومن الانتماء للعرب حتى لو كان الانتماء لغويًا وليس بالدم. تغيرت العقيدة فصار الفتح الإسلامي استعمارًا وصارت العربية لغة المحتل العربي. وأعترف أن كل هذا سبب لي نفورًا تامًا، وتسبب في ميلي عن الشيء الذي كنت أحبه، صار مجرد الفخر بأي شيء له علاقة بالفراعنة يثير اختناقي. لا مانع لدي من دراسة التاريخ وحبه ومعرفة حياة الناس في الماضي لكن ليس لدرجة التقديس الأعمى واحتقار باقي الحضارات لدرجة نسبة كل شيء للحضارة المصرية وهكذا يفعل القوميون في باقي الدول. تفتح أحد المنشورات فتجد من يقدسون الفراعنة في شجار مع أبناء بابل والآشورين والسومريين والفينيقين والأمازيغ ويمتد الشجار حول كل شيء حتى يصل إلى الأكلات، ويتراشق الجميع الاتهامات والعداوات والشتائم. هذه الحالة الجنونية صدقًا دفعتني لحظر أي صفحة تظهر أمامي سواء كانت تقدس الحضارة الفرعونية أو العراقية أو الفينيقية أو الآمازيغية. لا أعتقد أن حب ودراسة التاريخ والشعور بالانتماء للأرض التي ولدتِ عليها كفر لكن الدين هو الانتماء الأول لأي مسلم يفهم ما معنى الإسلام واختار هذا الدين وارتضى به. لن نُسأل في القبر عن بلدنا ما هي؟ لكن يبقى الانتماء والحب للوطن شيء فطري بشرط ألا يصل للتطرف والتقديس. وما أعرفه هو أن الغرب أساسًا في كل البلاد التي أراد السيطرة عليها كان يبحث عن الحضارات القديمة ليثير بها النعرات والعداوات القومية بمبدأ فرق تسد وأظن هذا واضح على الساحة الآن.
لعرض الإجابة في فدني اضغط هنا